سييرا دي مويرتي للروائي "عيساني عبدالوهاب" قراءة في البناء والتشييد
Résumé
يشهد كثير من الروائيين والنقاد، أن الرواية ضرب من البناء والتشييد، وأن معنى "البناء" ينصرف أساسا إلى التخطيط، والهندسة، والإعداد، واستجلاب المواد التي يقوم عليها التشييد، وأن "التشييد" هو المرحلة التالية التي تجتهد في استعمال المواد المجمعة وفق الهندسة المتفق عليها. غير أن "التشييد" يزيد على ذلك كله معاني المتانة والجمال.. فحين نقول شيد فلان منزلا، فإننا لا نتحدث عن المواد المستعملة، وإنما نشير إلى المتانة والجمال في استحكامهما مع بعض. ولن يكون المبنى رائقا إلا إذا تميز بميزة "التشييد"، ولذلك لحق هذا الاصطلاح بالحضارات فقيل تشييد الحضارة، والمجد، وغيرها من المعاني التي يراد الإشارة فيها إلى المتانة والجمال الذين يُديمان بقاءها على الرغم من عاديات الدهر، والأزمنة، والأحداث.
والروائي "بنَّاءٌ" في حرفته، فنان في تشييده.. فإذا كانت الحرفية تتطلب منه أن يكون الحرفي الواعي المدرك لطبيعة المواد التي تصلح لحمل عالمه المتخيل، فإن الفنان فيه ينصرف إلى النسيج السردي الذي يؤثث هذا العالم وينفخ فيه أسباب الحياة، ويمنحه القدرة على مزاحمة الواقع المعطى بواقعه الخاص، الذي سيكون أكثر جاذبية ونفعا من الواقع الغلف الذي تقدمه الحياة. ومن ثم كانت الرواية في الطرف المناقض للشعر أولا، غير أنها تقف على حدود الفنون الأخرى، ترشح منها أساليبها المختلفة لإغناء قدراتها على التلون، والتجدد، والتأثير.
فإذا كان الشعر تكثيفٌ وتقطيرٌ للمشاعر، ونقل للتجربة عن طريق لغة مركزة تخضع لضرورات الفن الشعري وزنا وإيقاعا، فإن الرواية بسطٌ واستفاضةٌ في العرض، تتيح للمواقف المختلفة نقل جزئياتها الدقيقة في لغة الوصف، أو الحوار، أو التأمل.. ومن هنا كانت كتابة الرواية مغريةٌ بسهولتها، غير أنها مربكةٌ بما يعتريها من حالات يتوجب فيها عليها أن تكون أكثر من الشعر تكثيفا، وأشد منه تقطيرا للمشاعر، لألا تنساق وراء الثرثرة التي ستصيبها بالترهل والتضخم المرضي.
واستنادا إلى هذا التمييز، سنحاول أن نقف مع رواية "سييرا دي مويرتي" للروائي الشاب "عيساوي عبد الوهاب" نُسائلها من زوايا "البناء" و"التشييد".. مبتعدين كليا عن المقولات النقدية التي تحاول تأطير النقد الروائي الغربي أو العربي. تاركين للنص أن يكشف لنا عن الأدوار المتبادلة بين البناء والتشييد، في مهمتهما لإنجاز العمل الروائي الذي بين أيدينا.